تقرير خاص – (الإيكونوميست) 5/4/2018
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
نادرا ما كان كوكب الآرض هادئا كما هو الآن. وحتى مع القتال الرهيب الدائر في أماكن مثل الكونغو واليمن وسورية، فإن الحروب بين وداخل البلدان تصبح أقل شيوعا وأقل قتلا. لكن ثمة تهديدا قاما يلوح في الأفق. ثمة بعض من مدن العالم النامي التي تهدد بأن تلفها جرائم القتل.
من بين نحو 560.000 وفاة وقعت في كل أنحاء العالم في العام 2016، كان ما نسبته 68 في المائة ناجماً عن جرائم قتل؛ بينما ساهمت الحروب بنسبة 18 في المائة فقط. وكان معدل جرائم القتل يهبط في الدول الغنية (ولو أن لندن تعاني من تفشي هذه الظاهرة)، لكنه اجتاح أميركا اللاتينية، وهو يشرع في الارتفاع في أجزاء من جنوب أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وغالبا من يذهب العالم أشواطا طويلة من أجل وقف الحروب. ولنتخيل فقط لو أنه يبذل قدرا مماثلا من الجهد لوقف جرائم القتل.
تعرض أميركا اللاتينية ما هو الآن على المحك. فمع أنها تضم 8 في المائة من سكان العالم، فإنها تساهم بـ38 في المائة من جرائم القتل المسجلة فيه. وباحتساب كلف الشرطة، والمشافي، ودخول الضحايا التي تُفقد وما إلى ذلك، فإن فاتورة جرائم القتل تصل إلى 305 في المائة من الدخل المحلي الإجمالي. والخسائر الأكبر بشرية: الأمهات والآباء الذين يدفنون أبناءهم؛ والأولاد الذين يتربون بلا آباء؛ والمجتمعات التي تُحرم من عشرات الآلاف من مواطنيها في بداية حياتهم.
ليس ثمة عذر لهذه المعاناة. فمع أن الكثير من مشكلات العالم الناشئة تبدو عصية على الحل، فإن القتل ليس من بينها.
موت مغطى بالغبار
ثمة العديد من الأسباب لارتفاع معدلات جرائم القتل: الحكومة الضعيفة؛ الأسلحة والمقاتلون الذين يتبقون من الحروب؛ العائلات المفككة أو التي تُجبر على الهجرة إلى المدينة بسبب العنف والفقر في الريف؛ المخدرات والجريمة المنظمة التي لا تستطيع الشرطة –أو تتقاعس عن- مواجهتها؛ والأعداد الكبيرة من الشباب العاطلين عن العمل.
يبقى مزيج الأسباب في كل بلد فريدا بالتأكيد. لكن التحضر السريع والفوضوي في كل حالة يجعل المشكلة أكثر سوءا. والتحضر في حد ذاته موضع ترحيب، لأنه يعزز الدخل والنمو. لكنه لا ينبغي أن يفضي إلى العنف –وللنظر إلى الهند والصين، اللتين لديهما معدلات جرائم قتل منخفضة نسبياً. لكنه يمكن أن يغذي دائرة شرسة، حيث يدمر ازدهار جرائم القتل الثقة بين الشرطة والناس الذين يُفترض أنها تحميهم. ويبتعد السكان عن الشوارع. ولا يعودون يدعمون السلطات. وتتزايد الحصانة والإفلات من العقاب، وتذهب مستويات العنف إلى مزيد من الارتفاع.
هذا هو ما تواجهه بعض المدن الفقيرة في العالم. وقد أصبح لدى البعض منها فعلاً مقادير من ثقافة القتل. وعلى مدى العقود القادمة، من المتوقع أن تنمو هذه المدن بتسارع. وسوف يحدث نحو 90 في المائة من النمو الحضري في العالم الفقير. وبحلول العام 2030، وفقاً لبنك HSBC، سوف تكون 42 من بين الـ50 مدينة الأكثر نموا في السكان أسواقا ناشئة. وسوف تنضم مدن مثل دكا، وكراتشي، ولاغوس، التي تزدحم كل منها بنحو 25 مليون نسمة، إلى العشر الأوائل.
حتى نفهم أين يمكن أن يقودنا ذلك، دعونا نتأمل أميركا اللاتينية، حيث تسهم سبع دول بنحو ربع جرائم القتل في العالم. وقد شرعت جرائم القتل بالارتفاع غالباً في مدنها بسبب المخدرات والعصابات. وبما أن أميركا اللاتينية تحضرت قبل جيل من بقية الدول النامية، فإنها تواجه أوقاتاً عصيبة في محاولة تخمين أي السياسات هي التي تساعد في وقف القتل –وأيها تغذيه.
ناضلت السلفادور، مع أنها واحدة من الممرات الرئيسية لتهريب المخدرات، من أجل محاولة إشاعة السلام منذ نهاية الحرب الأهلية فيها في العام 1992. وقد فشلت الدولة الضعيفة في إطعام وتلبية حاجات مئات الآلاف من سكان المدن الجدد، الذين دفعهم القتال في التلال إلى أحياء الأكواخ الفقيرة في المدينة. ولم تتمكن الشرطة من التكيف مع نوعية السكان الجدد العنيفين الذين وصلوا إلى هذه الأحياء: عصابات الشوارع مثل "أم. أس-13" و"باريو 18". وفي العام 2015، أصبحت السلفادور البلد الأكثر قتلاً في العالم –باستثناء سورية. وما تزال الشرطة عاجزة عن معرفة مَن يقتل مَن ولماذا. وذهبت قضايا 95 في المائة من جرائم القتل من دون حل.
مع ذلك، لدى هذه القارة أيضاً بعض من أفضل التحسينات على هذا الصعيد. ففي العديد من المدن الكولمبية، اعتادت جرائم القتل أن تكون السبب الأبرز للوفاة. وكان المعدل في مدينة كالي في العام 1994 هو 124 لكل 100.000، أي أسوأ بأربع مرات من مدينة نيويورك في أكثر ذراها فتكا. وكان عمدة المدينة جراحا أدرك أن القتل شيء مثل مرض. وبعد استخدام منهج رائد تم تجريبه في نيويورك وتم نسخه عبر أنحاء العالم الغني، أسس العمدة "مراصد للعنف" لدراسة كيف يقود الناس، والأماكن والسلوكيات إلى جرائم القتل. ووجد الباحثون في هذه المراصد أنه حتى في خضم حرب المخدرات المستعرة، كانت جرائم القتل تنشأ في أغلبها عن مشاجرات السكارى. وبذلك، ساعد وضع القيود على الكحول والأسلحة في خفض جرائم القتل بنسبة 35 في المائة. وقامت المدن الكولمبية الأخرى باستنساخ إجراءات شرطة كالي القائمة على الأدلة، وتعديلها لتلائم احتياجاتها الخاصة –على سبيل المثال، قامت مدينة ميدلين باستهداف كارتيلات المخدرات. وكان إصلاح الشرطة والقضاء، والمساعدة من الولايات المتحدة، أموراً حاسمة أيضاً. وفي العام 2017، أصبح معدل جرائم القتل في كولمبيا هو 24 لكل 100.000 -الأدنى في 42 عاماً.
تتشكل جرائم القتل في أميركا اللاتينية بعوامل محلية –العنف السياسي، السجون المكتظة، شهية أميركا الشمالية للمخدرات. وفي كولمبيا، ساعد هجوم شُن ضد العصابات في خفض جرائم القتل. ومع ذلك، تنطوي تلك القارة على طيف عريض من الدروس.
لأن الإفلات من العقاب يشجع القتل، فإنك ربما تظن أن السر يكمن في الرقابة الشرطية الصارمة. وقد أرسلت الحكومة السلفادورية الجنود إلى الشوارع، وألقت بالمجرمين التافين في السجون. لكن كلاً من المجرمين والمواطنين تعرضوا للوحشية، وأدى ذلك إلى تحليق معدلات القتل. أو أنك يمكن أن تشتري السلام بالهدنة وعقد الصفقات الخاصة بين العصابات المتنافسة. وقد حاولت السلفادور ذلك أيضاً، لكن الهدنة انهارت والمذبحة استؤنِفت. وعلى الرغم من أن جرائم القتل هناك هبطت بشكل طفيف في السنتين الأخيرتين، فإن القتل أصبح طريقة حياة.
بدلاً من ذلك، يجب استهداف النواة الصلبة للجريمة. وعلى سبيل المثال تتركز جرائم القتل بطريقة غير عادية -80 في المائة من حوادث القتل العنيف في مدن أميركا اللاتينية تقع في 2 في المائة فقط من الشوارع. وسوف تساعد الإحصاءات المفصلة عن الجريمة أجهزة الشرطة في وضع يديها على العوامل المحلية الكامنة خلف عمليات القتل. وإذا استطاعت أن تعرف بالضبط كيف وأين تبذل جهودها، فإنها يمكن أن تنفذ الاعتقالات وأن تمنع العنف.
التعلم من القتل
الأخبار الجيدة هي أنه ليس عليك أن تحل كل الأسباب الاجتماعية المعقدة حتى تبدأ بخفض معدلات جرائم القتل. وقد ساعد عمداء مدن كولومبيا في خلق حلقة حميدة، والتي استنتجت فيها الشرطة والمجرمون الذين يلقى القبض عليهم ويعاقبون، والمواطنون، أن الشرطة موجودة هناك لمساعدتهم، وأن الشوارع أصبحت أكثر أمناً. وقد ثبطت الشوارع المزدحمة الجريمة العنيفة. وبمجرد أن تشرع الدائرة الحميدة في الدوران، فإن كل النظام الإيكولوجي للعدالة الجرمية يمكن أن يزداد قوة.
إذا تمكنت كافة الدول من خفض معدلات القتل لتتناسب مع أفضل المستويات في منطقتها، فإن نحو 1.35 مليون روح سيتم إنقاذها بحلول 2030، كما يقول "مسح الأسلحة الصغيرة". أما إذا تراجعت هذه المعدلات إلى الأسوأ، فإن 1.25 مليون روح إضافية سوف تُزهق. وتستطيع قوات شرطة موثوقة، مسلحة بإحصائيات جيدة، أن تنقذ ملايين الأرواح، وأن تجنبنا محيطاً من المعاناة الإنسانية.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Violent crime: How to cut the murder rate