المزيد
عسكرة الفضاء: جنود المركبات الفضائية

التاريخ : 18-08-2018 |  الوقت : 01:42:30

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ديفيد برايس - (كاونتربنتش) 10/8/2018

 

في الأسبوع الماضي، أعلن بنس، نائب الرئيس الأميركي، أن وزارة الدفاع الأميركية بدأت عملية التخطيط لإنشاء فرع عسكري سادس في الجيش الأميركي، يعرف باسم "القوة الفضائية". وكان تصريح بنس تأكيداً للجمهور أن إعلان ترامب المفاجئ عن إنشاء القوة الفضائية لم يكن مجرد واحد آخر من تلك الإعلانات المفاجئة المتكررة للرئيس، والتي ليست لها علاقة بالواقع. وزعم بنس أن هذا القسم الجديد، القوة الفضائية، سيكون قائماً بحلول العام 2020. وبينما يتفاعل الكثيرون في وسائل الإعلام مع هذه الأنباء كما لو أن عسكرة الفضاء تشكل خروجاً مفاجئاً عن خط السياسة الأميركية، كما هو الحال مع الكثير من عناصر رئاسة ترامب، فإن هذا التحول في السياسة لا يعدو كونه نسخة صغيرة أكثر غرائبية مما تقوم به حكومتنا بشكل روتيني منذ وقت طويل.

كانت الروابط بين برنامج الفضاء الأميركي والجيش دائماً سراً مكشوفاً في جزء منها، وسؤالاً مفتوحاً في جزئها الآخر. وكان من الصعب دائماً تحديد كم بالضبط يمكن اعتبار ميزانية "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء" (ناسا) إنفاقاً عسكرياً. وقبل بضع سنوات، بينما كنتُ أشرع في العمل على ورقة بحث تدرس أعمال مارغريت ميد أنثروبولوجيين آخرين في برنامج من الخميسينيات والستينيات كان يهدف إلى قياس وتشكيل التوجهات الأميركية العامة حول الفضاء (المعروف باسم "مشروع الإنسان في الفضاء")، كنتُ قد افترضتُ أنني سأجد تحليلاً أساسياً نقدياً، شبيهاً بمقالة غور فيدال الشهيرة في العام 1988 "دولة الأمن القومي"، التي كشف فيها تحليل فيدال للإنفاق الإلزامي والتقديري أن ميزانية الجيش الأميركي كانت أكبر بكثير من مجرد الـ37 % الوديعة التي نراها للوهلة الأولى (عندما يتم احتساب ميزانية وزارة الدفاع المسجلة)، وبمجرد استعراض كل المشاريع المرتبطة بالجيش في وكالات تتراوح بين وزارة الطاقة، ووزارة الخارجية، ومزايا المحاربين القدامى، وحزم المساعدات الخارجية الخاصة بالأسلحة وغيرها من المشاريع المتعلقة بالدفاع وغير المدرجة في ميزانية الدفاع، سوف يُفهم أنها لا تشكل أقلية في الميزانية الفيدرالية في الحقيقة، وإنما تقترب من 77 % من هذه الميزانية. وبينما وجدتُ الكثير من التحليلات المعاصرة والتاريخية الممتازة للصلات بين "ناسا" ومشاريع الفضاء العسكرية، فإنني لم أستطع العثور على أرقام مباشرة تُظهر كم من الأموال التي تنفقها حكومة الولايات المتحدة على الفضاء تذهب إلى المشاريع المرتبطة بالجيش.

كانت الصلات التي تربط "ناسا" بالمشاريع العسكرية قريبة من السطح منذ أصول تأسيس "ناسا". وقد أوضح (القسم 305-آي) من ميثاق "ناسا" للعام 1958 علاقة "ناسا" بوزارة الدفاع، حين نص على أن "الإدارة "ناسا" سوف تُعتبر وكالة دفاع للولايات المتحدة لغايات الفصل 17 من العنوان 35 لقانون الولايات المتحدة". وفي حين أنه ليس هناك ما هو مخفيّ في هذا، فإن مشاريع "ناسا" المدنية المعلنة لاستكشاف الفضاء تخلق تصورات واسعة الانتشار بأن مهمتها هي بشكل أساسي واحدة تتعلق بالعلم البحث والاسكتشاف.

بدءاً من العام 1957، لعب علماء الأنثروبولوجيا، بمن فيهم مارغريت ميد، دوراً في تشكيل انفصال الجمهور عن ملاحظة صلات استكشاف الفضاء المباشرة بعسكرة الفضاء، ويمكن تعقب جذور هذا القطع وراءاً إلى برنامج يعرف باسم "مشروع الإنسان في الفضاء"، حيث تم تطوير روايات هارولد لاسويل، ومارغريت ميد ودونالد مايكل الأساسية التي تمجد العناصر الرائدة في استكشاف الفضاء، في جزء منها بتمويل من معهد بروكينغز. وقد درس هذا العمل -وأبلغ عن- الرؤى العامة للفضاء خلال حقبة ما بعد "سبوتنيك"، والسرديات المتأثرة بالسياسة عن برنامج الفضاء الأميركي.

في العام 1983، قرر تقرير مكتب المحاسبة العامة أن نحو ربع إنفاق "ناسا" في ذلك الحين ذهب إلى "دعم المشاريع العسكرية". وفي العام 1982، وفي مقالة في صحيفة "نيويورك تايمز"، كتب جون نوبل ويلفورد أنه:

"في رسالة عن التقرير، قال دبليو أتش شيلي جونيور، مدير مكتب المحاسبة، إنه بناء على ما جاء في جزء منه كتوقعات بأن نصف رحلات المكوك الفضائية سوف تحمل حمولات عسكرية، فإن أكثر من مليار من مبلغ 3.5 مليارات دولار المطلوبة للمكوك في العام 1983 يمكن تصنيفها كإنفاق عسكري. كما يمكن أن يعزى جزء من إنفاق الوكالة على بحوث الطيران وتكنولوجيا الفضاء أيضاً إلى أهداف عسكرية، كما قال التقرير".

"بهذه الحسابات، قال السيد شيلي أن مبلغ 1.1 مليار دولار من ميزانية البحث والتطوير لإدارة "ناسا" البالغة 5.33 مليار دولار، أو 20.5 في المائة، يجب أن تُعتبر متصلة بالشؤون العسكرية. كما تم إدراج نحو 400 مليون دولار أخرى، أو 7.7 في المائة، تحت بند الدعم المدني-العسكري. ويبلغ إجمالي طلب ميزانية وكالة الفضاء للعام 1983 نحو 6.6 مليارات دولار. وليس إنفاق وزارة الدفاع المباشر على نشاطات الفضاء معروفاً، ولكن يُعتقد أنه يساوي أو يزيد على ميزانية "ناسا" السنوية، كحصة من حسابات "ناسا" المتنازع عليها".

خلال سنوات ريغان، اندمجت استكشافات الفضاء الحكومية وصناعة القطاع الخاص بطرق جديدة، وكانت هناك استخدامات متزايدة لوكالة "ناسا" في الأنشطة العسكرية والاستخباراتية. وفي أواسط عقد الثمانينيات، علمنا بأن ثلث مهمات مكوك الفضاء على الأقل كانت تُصنف بأنها "سرية للغاية" أو فيها مكونات عسكرية أو استخباراتية -والتي مرت العديد منها عبر "مكتب الاستطلاع الوطني" السري. وخلال الفترة التي أعقبت انفجار المكوك "تشالينجر"، أصبحت أهمية هذه المهمات واضحة حيث كانت وزارة الدفاع هي التي تحدد أولوية المهمات بمجرد أن تم السماح للمكاكيك بالطيران مرة أخرى في أعقاب رفع تجميد ما بعد تشالينجر.

لاحظ مايكل كاسوت، المؤرخ الحكومي والعضو السابق في فريق السياسة في وكالة المخابرات الوطنية، ومكتب الاستطلاع الوطني وفي مكتب قيادة القوات الجوية، أن رحلات المكوك الفضائي كانت مرتبطة جداً بالمهمات الاستخباراتية، حتى أن متطلبات مكتب الاستطلاع الوطني هي التي "قادت تصميم المكاكيك". وخلال الثمانينيات والتسعينيات، أصبحت الحمولات السرية سمة متكررة لمهمات المكوك الفضائي.

اليوم، لم تعد هناك حاجة إلى رواد الفضاء و"ناسا" لدفع عسكرة الفضاء إلى الحدود الآتية: فلدينا طائرة وزارة الدفاع الفضائية السرية من دون طيار (المعروفة باسم إكس-37بي) التي جابت الفضاء مع الحد الأدنى من الانتباه العام، وهي تقوم بتنفيذ مهمات سرية. وقبل وقت طويل من إعلان ترامب على الملأ عن "قوة الفضاء"، كانت وزارة الدفاع قد بنت برنامجها الخاص للفضاء -مستفيدة بشكل مباشر من التقدم الذي أحرزته "ناسا"، ومن ميزانية فضاء منفصلة تعادل ميزانية "ناسا"؛ وأصبحت عمليات الاستكشاف العسكرية للفضاء اليوم تتجاوز بكثير عمليات الاستكشاف المدنية. 

في عهد أوباما، دفع وزير الدفاع، آش كارتر، في العام 206 من أجل زيادة كبيرة في ميزانية وزارة الدفاع الخاصة بالفضاء، وقال بصراحة إنه في الماضي، "كان يُنظر إلى الفضاء على أنه ملاذ آمن. وتوضح التهديدات الجديدة والمتصاعدة أن هذا لم يعد واقع الحال بعد الآن، وعلينا أن نكون مستعدين لاحتمال نشوب صراع يمتد إلى الفضاء". ولاحظ كارتر أن الصين وروسيا "لديهما قدرات متقدمة في الطاقة الموجهة، والتي يمكن استخدامها لتعقب أو تعمية الأقمار الاصطناعية، وتعطيل العمليات الرئيسة، وقد أظهر البلدان قدرتهما على تنفيذ مناورات معقدة في الفضاء". ولا تعدو خطوة ترامب لتأسيس "قوة فضائية" كونها مجرد استمرار لجهود إدارة أوباما لعسكرة الفضاء.

في حين أن من السهل فصل (أو تمييز) خطوط الميزانية التي تمول مهمات الفضاء المدنية المصممة للدوران حول الأرض أو السير على القمر، فإنها ليست هناك طريقة بسيطة ذات معنى لفصل الأبحاث العلمية اللازمة لإطلاق رواد فضاء أبولو إلى القمر، عن العلم اللازم لبناء صواريخ بالستية عابرة للقارات بنجاح، والمصممة لحمل حمولات نووية قاتلة إلى أعدائنا السوفيات. هذه هي الطبيعة المزدوجة لاستخدام العلم؛ وفي حين أن خصوصيات ثقافتنا حول العلم تدربنا على أن نرى هذه الشؤون كمؤسسات منفصلة بشكل قاطع، فإن هذه التطورات الأخيرة تغذي دمج الغايتين في جسم مشترك من المعرفة. وكانت أقمار التجسس العسكرية، وتقنية حرب النجوم، والاختبارات العسكرية غير المعروفة في الفضاء، وأسلحة الفضاء، والعديد من الابتكارات التي أصبحت اليوم في المجال العام -مثل التقنية المبكرة لأجهزة تحديد الموقع الجغرافي- تصنف بأنها سرية ومقصورة على الاستخدامات العسكرية. وهذا جزء من طبيعة الاستخدام المزدوج للعلم الذي تعرض للعسكرة في السوق الرأسمالية.

يبقى من غير المعروف أي أدوار هي التي سيلعبها رجالنا المعاصرون من أصحاب الثروات الكبيرة، جيف بيزوس وإيلون موسك، وبرامج الفضاء الممولة من القطاع الخاص في تطوير "قوة الفضاء" الجديدة هذه. وبالنظر إلى الاتجاهات الحالية من خصخصة البرامج العسكرية والفضائية، الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، فإن من المنطقي افتراض أنها لن تكون هناك أرباح ليتم تقاسمها، حتى بينما تتصرف هذه النخب بطرق تبدو معها وكأنها تمهد الطريق بحيث يترك نسلُها خلفه عالَماً منضَّباً.

إن ما يفعله تشكيل ترامب "قوة فضائية" معرَّفة هو تعرية حقيقة أن مشروع الفضاء الأميركي، في داخل "ناسا" وخارجها، كان دائماً جزءاً من مشروع عسكري مغلف بغطاء معلَن من خيالات السفر الفضائي اليوتوبية. وقد ساعدت هذه الخيالات والأوهام في توجيه الفهم العام لاستكشاف الفضاء بعيداً عن ملاحظة صلاته الأصيلة بعكسرة الفضاء؛ وحتى بينما نمتلك معرفة مهمة وعلمية وموثوقة وصوراً مدهشة من المسبار "هابل" والمشاريع الأخرى، فقد كانت هذه بدورها، في جزء منها على الأقل، أشياء لامعة صرفت انتباهنا عن العناصر العسكرية الأساسية لمشروع الفضاء الأميركي. ومثل معظم الأسرار المفتوحة، ثمة القليل الذي كان مخفياً في هذا، لكن الفئات الثقافية التي بنيناها أبقت عمق هذه الحقيقة الواضحة بعيدة بينما نؤوي رؤى يوتوبية عن استكشاف الفضاء، وعن عالم حيث الدول المتقدمة ستتقاسم بيانات الأقمار الاصطناعية مع الدول الفقيرة كأعمال من المساعدة المتبادلة، حتى بينما كان سباق "ناسا" مع الاتحاد السوفياتي شكلاً من أعمال الحرب.

بينما كان برنامجا "أبولو" و"ميركوري" برنامجان مدنيان -مع بعض الأفراد والصلات العسكرية بالمشروع- كانت لبرامج الأقمار الاصطناعية والمشاريع الأخرى المرتبطة بإدارة "ناسا" صلات عسكرية مهمة. وقد تم إلقاء الضوء على هذه السمات العسكرية بشكل متكرر من خلال طلبات التمويل في الكونغرس، في حين بيعت للجمهور أوهام دراما الفضاء التلفزيونية، "باك روجرز".

بطرق ملموسة للغاية، تقوم خطوة ترامب نحوتشكيل "قوة فضائية" ببساطة بوصل النقاط التي وضعتها الإدارات الأكثر تأدباً وبلاغة في التعبير قبله، بينما ينقلنا إلى عالم حيث يصبح الفضاء، بشكل أكثر صراحة، منصة حرب. لكن علينا أن نتوقع من ثقافة متجذرة بعمق في اقتصاد سياسي قائم على الحرب والعسكرة أن يحاول ما لا يقل عن بسط نطاق رؤيته المعسكرة إلى ما وراء غلافنا الجوي، وصولاً إلى عسكرة الكون كله.

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Militarizing Space: Starship Troopers, Same As It Ever Was

 

وكالة كل العرب الاخبارية



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك