المزيد
سقوط القِيَم في السياسة

التاريخ : 03-02-2024 |  الوقت : 12:28:52

وكالة كل العرب الاخبارية

افتتاحية الخليج

   

من المفترض أن تشكل القِيَم، بما تعنيه من أخلاق والتزام بالمعايير والقوانين الدولية الإنسانية والمبادئ الديمقراطية، العمود الفقري للسياسة، كي تحقق الدور المنوط بها في العلاقات الدولية والتعامل مع التحديات التي تواجه العالم، سواء أكانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو بيئية.

 

لكن واقع الحال يقول إن معظم دول العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تجعل من "المصلحة الوطنية" وعلاقاتها وتحالفاتها الخارجية أولوية مطلقة تعلو على القيم الأخلاقية، تطبيقاً لمقولة ميكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"، وهي بذلك تتخلى عن كل ما تنادي به من التزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، لأن إعلاء المصلحة الوطنية كمحدد أساسي على كل ما عداها، يجعل من السياسة معدومة الدسم، ويفقدها قيمتها كأداة فعالة في العلاقات الدولية.
يمكن تعريف القيم الإنسانية على أنها الأخلاقيات والمبادئ السامية التي نشأ عليها الفرد، والتي تضع له القواعد الرئيسية لتعاملاته مع الآخرين، وتتعدد هذه المبادئ ما بين العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية والتسامح والتنمية المستدامة، وبالتالي ما ينطبق على الفرد ينطبق على المجتمع وعلى الدولة وسياساتها.
لذلك، يجب أن يقوم توازن دقيق في السياسة بين المصلحة الوطنية وبين القِيم بمعناها الشامل، وأي خلل على حساب القِيم يجعل من السياسة أداة هيمنة واستبداد، وقد تتحول إلى وسيلة في خدمة الحرب والعدوان، كما في حرب فيتنام وغزو أفغانستان والعراق، وكما هو الحال الآن في الحرب الهمجية على قطاع غزة، حيث تقف معظم الدول الغربية إلى جانب إسرائيل، متخلية عن كل المبادئ والقِيم التي ارتضاها العالم كهدف أسمى في العلاقات الدولية من أجل حماية الأمن والسلم العالميين.
في كتابه "هل الأخلاق مهمة في السياسة الخارجية"، يحدد عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي، مبتدع مصطلح "القوة الناعمة" و"القوة الخشنة"، ثلاثة أبعاد للمنطق الأخلاقي، أولاً: الهدف أو النية من الفعل السياسي، ثانياً: الوسيلة أو الآلية التي يتم من خلالها تنفيذ الهدف، وثالثاً: العاقبة التي تحصل من ذلك.
وما تفعله الولايات المتحدة هو أنها تستند في تنفيذ الأبعاد الثلاثة في سياساتها إلى منطق القوة والهيمنة والنفوذ والسيطرة، وهو ما يتبدى بوضوح في دورها في الحرب الأوكرانية من دعم عسكري ومادي لكييف، وكذلك في علاقاتها مع الصين ومحاولة حصارها اقتصادياً وسياسياً وتوتير الأوضاع في تايوان وبحر الصين الجنوبي، للحؤول دون قيام نظام دولي جديد، بديلاً للنظام الحالي الذي تتفرد بقيادته، إضافة لفرض عقوبات غير إنسانية على العديد من الدول التي تعارض سياساتها.
لقد جعلت الولايات المتحدة بسبب تخليها عن القِيم في سياستها الخارجية عالماً تحكمه الفوضى والحروب ومنطق القوة، كما جعلت من الأمم المتحدة مجرد هيئة دولية اسمية عاجزة عن فرض قوانينها وقراراتها، الأمر الذي يهدد الوجود الإنساني.



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك