لَيلٌ لا بُدّ أن ينجلي
![]()
سقطت الأزمة السياسية في تونس في ما يشبه الكوميديا السوداء، وباتت تحمل مؤشرات زوال حقبة كالحة وليل لا بُد أن ينجلي من البلاد . وأظهر الجدل المستعر على تشكيل حكومة كفاءات وطنية والانقسام العمودي الذي شق حركة “النهضة” الإسلامية، أن الرهان الذي يدير اللعبة ليس أكثر من الاستفراد بالسلطة وتحصينها لمصلحة تيار من دون سواه .
وكشفت أحداث العنف المتنامي والشحن السياسي حتى اغتيال الشهيد شكري بلعيد، أن المسيرة التي انطلقت عرجاء ستتعثر وتنزاح إلى اليمين عند أول منعرج . وهذه القراءة تجد في كل ساعة من عمر الأزمة ما يؤكدها ويوثقها . ولو كانت النوايا السياسية لدى النخب التي أفرزتها انتخابات المجلس التأسيسي صادقة ومجردة من روح الاستئثار وإقصاء الخصوم لكانت الطريق واضحة وعلامتها بينة وغاياتها آمنة .
ما مضى من أخطاء وتجاوزات في المسيرة القصيرة يمكن مراجعته وتصحيحه، أما اللحظة الراهنة فتتطلب معادلات جديدة للنجاة بتونس من الضياع ومصادرة مقدرات الدولة والشعب لمصلحة صراعات لن تفرز أبطالاً وفق المعايير المعاصرة . فالإسلاميون الذين حملتهم عاصفة الثورة إلى سدة الحكم ربما تضخمت صورتهم أكثر مما يجب، ولكن من سقطوا ضحية هذه العاصفة ليسوا حطباً لا روح فيه . وإذا كان هناك أحد لم يدرس جيداً تداعيات الأيام الماضية فهو قطعاً خارج السياق ولن يكون فاعلاً كما يحلم في لاحق الأحداث .
رئيس الحكومة التونسية والأمين العام لحركة “النهضة” حمادي الجبالي قد يكون الرجل الوحيد، ظاهرياً على الأقل، الذي استوعب الدرس وترجمه بسرعة قياسية بطرحه مبادرة تشكيل حكومة كفاءات وطنية غير ملوثة بالألوان الحزبية . وهذه المبادرة لم تكن بنت اللحظة، بل كانت مطلب طيف واسع من القوى السياسية باعتبارها المنقذ الأكثر قدرة على العبور بالبلاد من هذه المرحلة . وحين تعلن أغلبية الأحزاب والمنظمات وكبار الشخصيات وحكماء تونس مساندة المبادرة وترفضها حركة “النهضة” وتابعها “حزب المؤتمر من أجل الجمهورية”، يتأكد أن رحى الصراع تدور حول مشروع سلطوي، وليس حول مشروع للإنقاذ . ومثلما كشفت الأزمة مواطن خلل في إدارة الدولة أثناء الفترة السابقة، فقد أسقطت أقنعة وفضحت وجوه فاعلين يتسترون بالثورة خدمة لأجندات خاصة تصل إلى حدّ الخرافات .
العارفون بالشأن السياسي والمطلعون على الأدبيات الديمقراطية وتجاربها في معاقلها التاريخية يؤكدون أن منطق الحزب يتغير عندما يصبح رجاله قادة للدولة . وفي الحالة التونسية هناك خطاب مزدوج نسمعه من النخبة الحاكمة، فهي تارة تتحدث عن وضع ديمقراطي في البلاد تحكم بموجبه، وطوراً تؤكد أن الديمقراطية لم تنضج بعد وهي بصدد التأسيس . ويُحدث هذا التذبذب في توصيف الواقع السياسي التباساً في المفاهيم وفي آليات إدارة الفترة الانتقالية بما يؤدي إلى الاستنتاج أن رجال المرحلة هم أنفسهم بحاجة إلى تأسيس وتدريب على الحكم، ولكن ليس في فترة تكون فيها الدولة على حافة الانهيار وشعبها في متاهة .
لذلك كله، يجب أن تكون خاتمة هذه الكوميديا فصلاً مفتوحاً على الأمل، تقوم فيه حكومة محايدة بدور المنقذ . ويبدو الإجماع الكبير على المشروع وعلى شخصية حمادي الجبالي يمكن أن يضع تونس في سياق جديد يحصنها من الراكبين على ظهر الثورة وليس عبر “تحصين الثورة” لمصلحة مشاريع مُسقطة على تونس . تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|