المزيد
مهنة الكراهية

التاريخ : 13-03-2013 |  الوقت : 10:24:38

كم هو رائع أن تصغي لفريد الأطرش في حفلاته الشائقـة يرحب بحفاوة " بصديقه وأخيه الكبير محمد عبد الوهاب " المنافس القوي الذي يتقاسم معه سوق الغناء العربي والذي يحضر دون انقطاع للاستمتاع بعزف وصوت"غريمه".
لماذا يا ترى والعملاقان كانا ملوكاً على قلوب الجماهير والمنافسة الشرسة بينهما كانت تستوجب أن لا يرحم أحدهم الآخر لتبقى الساحة ملكاً له وحده كانوا على النقيض يكنّا لبعضهم بعضا المودة الصادقة والإعجاب والتقدير. وها نحن معشر الأطباء الذين نعتبر أنفسنا مثقفين نتبادل الكراهية والبغض، ونحن الذين قد اخترنا مهنة عمادها المحبة والإنسانية والإخاء؟
منذ عقدين من الزمن لم تعد مهنة الطب الأردنية نقية وشريفة كما عهدها الجيل الذي سبقنا. والممارسة السليمة الصافية التي يفترض بنا جميعاً عدم الحياد عن مبادئها بدأت تشوبها سلبيات من قبل حفنة من الأطباء كانت ضئيلة في البداية ومن ثم غدت بفضل دعم السلطة الرقابية الطبية الغائبة غابة من اللاأخلاقيات المهنية التي عكرت صفو مياه المهنة البيضاء دون مبالاة لا بمصالح الزمالة ولا بمصالح المرضى الأبرياء الذين تتواصل أفواجهم يوماً بعد يوم الوقوع في شباك الدهاة وتجار الكراهية.
لا جلسة دون القدح بطبيب ذنبه أنه يخاف الله ويحترم مهنته ومرضاه ويملك مواهب أكثر من تجار الطب الجدد المتحكمين بالسوق والأرواح. ولا يقصد مريض عيادة دون أن يسمع أقسى عبارات التجريح بحق طبيب آخر وإن لم يكن ذلك كافياً نصل للمرحلة التالية التي تتطلب إثارة الرعب والقشعريرة في مخيلة المريض، فطبيبك هذا قد قتل مريضين بشهر، وعليه شكاوى لا تحصى، وهو الذي لم تعرفه المحاكم إلا كشاهد على كوارث أصحاب السوابق السوداء والمؤهلات الشحيحة الذين تتستر السلطة الرقابية على أفعالهم، فأصواتهم ثمينة في الانتخابات.
إنهم يحقنون البغض والكراهية في عروق المهنة وأحشاء المرضى، إنهم يتكاثرون، فالهرمونات التي تخصب بويضات حقدهم غدت تباع في العلن وإن لم يجدوها على بسطات العار التي تحتضنها بعض العيادات الشهيرة. فبعض المستشفيات مستعدة لتقديمها لهم على طبق من فضة مع هدية ثمينة لعضوية الانضمام للرفاق. فالكراهية التي يحترفها بعض أطباء الأردن ولدت في بعض هذه المستشفيات وسمنت بفضل صمت المجالس النقابية المتعاقبة التي سنقوم عما قريب بتفريخ نسخة جديدة منها بالأعضاء ذاتهم الذين سيواصلون التستر على تجار الكراهية، فلقد وصلوا بدعمهم وأي خلق وعرف سيدفعهم يا ترى لعدم رد الجميل؟
محترفو الحقد والبغض والكراهية يبتكرون يوماً بعد يوم. موضة جديدة لسلب مرضى الزملاء الماهرين. فقد غدا السوق الطبي الأردني مثالاً للإبداع والتميز والتجديد. فحتى يبدو بمظهر الناسك أمام المرضى الراغبين في الذهاب لطبيب آخر "من خارج الشبكة " يقول الطبيب المحترف لهم " هذا الجراح من أفضل ما عرفه الأردن من أصحاب المهارة والعلم لكن القدر ظلمه وهو في قمة العطاء فغدت يداه ترتعشان ولم تعد تؤهله لإجراء العمليات كسابق عهده". بل والطريقة الجديدة في الإرهاب لدى أطباء الكره تتمثل بالقول وهم يكادون يذرفون الدموع " نبتهل لكي يعود بالسلامة من رحلة العلاج فهو مصاب بمرض خبيث منتشر لا يتجاوب مع أي علاج.
أمثلة الخناجر التي يطعن بها أطباء الأردن زملاءهم الذين اقترفوا الذنب الذي لا يغتفر بعدم انخراطهم في مليشيات الكراهية والفساد لا تحصى ، فهل هذه هي مهنة الإنسانية والخلق الرفيع أم مهنة الكراهية؟ وعندما يصبح للكراهية مهنة فلنقرأ على شرف الطبيب السلام.
يا ترى ومهنة الطب الأردنية قد غدت تسيرها الكراهية ماذا كان سيكتب سعد جمعة الأديب والسياسي ورجل الدولة المؤمن الصادق صاحب المؤلف القيم "مجتمع الكراهية " لو كان مازال بيننا، وهل كان بمقدوره رغم خياله الواسع صياغة سيناريو كتاب سادس حول " مهنة الكراهية الجديدة" في البلد الذي عشقه؟
يبقى السؤال: هل هذا هو قدرنا إلى ما لا نهاية أم أن من حقنا الحلم بمنقذ سيقفز ذات فجر من نافذة تناسى البناؤون عن تعمد حفر فراغ لها في جدران مهنتنا الكئيبة ؟
 

عن العرب اليوم



تعليقات القراء
لايوجد تعليقات على هذا الخبر
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد

الحقول التي أمامها علامة * هي حقول لابد من ملأها بالبيانات المطلوبة.

:
:
:
 
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
كيف تتوقع نهاية الاحداث الجارية في قطاع غزة؟



تابعونا على الفيس بوك