ليس في الأمر أحجيّة أو قياس على ما ذهبت إليه صحيفة «لوموند» الفرنسية الشهيرة عندما خرجت على الفرنسيين والعالم غداة تفجيرات نيويورك وواشنطن بمانشيت رئيسي من كلمتين «..
كلنا أميركيون» في تعاطف لا يخفى على أحد على ضحايا هاتين الجريمتين نجح عبرهما تنظيم القاعدة أو أي جهة استخبارية تقف خلف هذا التنظيم، في أخذ العالم إلى «ضفة» أخرى ما تزال تداعياتها تتواصل على نحو انهك البشرية بل واصاب دعاة عسكرة العلاقات الدولية وتجار الحروب وبخاصة أولئك الذين امسكوا بصاحب القرار في البيت الأبيض الأميركي من المحافظين الجدد وكارهي الإسلام والباحثين عن عدو جديد بعد أن اختفى أو هُزِم عدوهم الأبرز (الاتحاد السوفياتي)، بالارهاق والتعب، ما بالك ان الرئيس الذي لم يكن وجوده صدفة في موقعه، كان بالإضافة إلى رعونته جاهلاً في السياسة ضحلاً في الثقافة وليس لديه سوى ثقافة «الكاوبوي» التي استمدها من «تكساس» بما هي ولايته، وما ادراك ما تكساس في الثقافة الأميركية وعلاقات الولايات الخمسين بعضها ببعض...
ما علينا
في الاعتراضات التي اندلعت مباشرة بعد انتخاب (اقرأ تعيين) غسان هيتو، رئيساً للحكومة المؤقتة المنبثقة عن ائتلاف المعارضة السورية، برزت ملاحظة أو معلومة تقول إن الرجل أصلاً ليس «سوريّاً» بمعنى انه لا يعرف سوريا حيث عاش فيها فترة قصيرة قبل أن يحصل على الجنسية الأميركية، ويقيم فيها أكثر من ثلاثة عقود إلى حين اندلاع التمرد الحالي ضد النظام السوري.. ورغبتنا في الوقوف عند هذه الملاحظة تنبع من «ظاهرة» تستحضر نظرية المؤامرة على الفور ولا يمكن ان تكون مثل هذه «الظواهر» محض صدفة او خارج سياق برنامج اعداد «القيادات» التي تعكف عليها دوائر متخصصة في دول الغرب الاستعماري التي تخطط لمُقبل الايام ولا تترك امورها للصدفة، بل هي اذا ما أعيتها الحيلة او وقفت امامها عقبات كؤود لا تستطيع حيالها شيئا، فانها تعتمد سياسة او دبلوماسية الصبر والانتظار، الى ان تحين الفرصة او تجد ثغرة تتسلل منها فاذا بها جاهزة (وغير متفاجئة وإن على نحو ليس مطلقا) ثم تبدأ اصابعها باللعب الى ان يجد جمهور المنتفضين او الثائرين او المُغرر بهم او السُذّج والناس البسطاء الذين تغيب (اقرأ تخذلهم قياداتهم السياسية المجوّفة أصلاً، عجزا او جبنا او ترهلا او خوفا) امام «قيادات» تخرج من المجهول ويبدأ الاعلام تلميعها وابرازها والدفع بها الى المواقع الامامية، فيقع الجمهور في الفخ او يتم تضليله وتنويمه، فاذا بالقائد الهمام الذي يرطن بالعربية او ربما تكون هي لغته الثانية بعد الانجليزية او الفرنسية يتصدر المشهد ثائرا او مُنْتَخباً او قائداً ميلشياوياً، يحظى بدعم العواصم الاستعمارية التي تروّج له وتضغط من اجله وفي النهاية هي صاحبة القرار والامر.
غسان هيتو اميركي الجنسية حسناً، برهان غليون فرنسي، عبدالباسط سيدا سويدي الجنسية ورضوان زيادة اميركي الجنسية وغيرهم العشرات في دكاكين المعارضات السورية، لكن الاكثر اثارة هو وجود «اميركيو» الجنسية على رأس الانظمة التي حدثت فيها «ثورات ملونة» وخصوصا في اوروبا الشرقية ميخائيل ساكاشفيلي في جورجيا وفيكتور يوشتيشينكو في اوكرانيا وكلاهما متزوج من «اميركية» (أهي صدفة؟) ثم هناك المثال الابرز وهو «المهندس» حامد قرضاي الذي جاء مع الغزو الاميركي لافغانستان وما يزال رئيسا «شرعيا» بعد اثني عشر عاما من وجوده في سلطة لا تحكم إلاّ على محيط القصر الرئاسي (هل تذكرون المنطقة الخضراء في العراق سنوات عديدة بعد الغزو الذي تُصادف هذه الايام ذكراه العاشرة؟).
ثم يمموا وجوهكم شطر إفريقيا وجنوب شرق آسيا، فمعظم حكامها يحملون الجنسية الفرنسية أو البلجيكية أو البرتغالية والأغلب البريطانية، بل منهم مَنْ هو «خِرّيج» البنك والصندوق الدوليين مثل حسن وتاراه في ساحل العاج.
هل سألتم عن ليبيا؟
.. النماذج ماثلة وقائمة.. وحاكمة
.. ماذا عن غيرهم سواء في مصر أم تونس أم في فلسطين؟
انه عصر القراضيات يا غبي.
kharroub@jpf.com.jo
عن الرأي الأردنية