مشاورات بسمان
![]() يشهد قصر بسمان هذه الأيام حدثا غير مسبوق في الحياة السياسية الأردنية، يتمثل في المشاورات مع الكتل النيابية لترشيح رئيس الوزراء، يتولاها بتكليف من الملك، رئيس الديوان الملكي د. فايز الطراونة. والشخصية التي سيقع عليها الاختيار من طرف الأغلبية النيابية ستشرع بعد ذلك في اختيار فريقها الوزاري من بين الأسماء التي ترشحها الكتل النيابية. التقليد جديد كليا على الطبقة السياسية التي اعتادت في السابق انتظار نشرة أخبار الساعة الثامنة لمعرفة هوية رئيس الوزراء الجديد وتشكيلته الوزارية. وبالنسبة للنواب، فإن كل ما كان يجري في الماضي من مشاورات لم يكن سوى عملية شكلية؛ إذ يهبط الرئيس المكلف عليهم بـ"البرشوت"، ثم يقوم بزيارة مجاملة لمجلس النواب، يلتقي خلالها الكتل لعرض خطوط برنامجه، وفي معظم الأحيان تكون تشكيلة الحكومة جاهزة في جيبه. وفي حالات كثيرة، كان الرئيس المكلف يتسلم من الديوان الملكي قائمة معدة مسبقا بأسماء الوزراء، لا يتسنى له التعرف عليهم إلا عند أداء القسم. وتتكفل أجهزة الدولة بعد ذلك بتأمين الثقة للحكومة تحت القبة. الآلية المتبعة في تشكيل الحكومات في طريقها إلى التغيير. النواب يتحملون من الآن فصاعدا مسؤولية مباشرة في اختيار الرئيس والوزراء، وتحديد برنامج العمل للحكومات. يتجهون إلى الديوان الملكي لا لتلقي التوجيهات من رئيسه، بل ليضعوا على الطاولة خياراتهم، ويقرروا بأغلبيتهم اسم رئيس الوزراء المكلف. وذلك يعني أن الملك قد تخلى بإرادته عن حقه الدستوري في اختيار رئيس الوزراء، والتزم بما وعد به من قبل بتكليف رئيس وزراء تختاره الأغلبية النيابية. إن النجاح في اجتياز هذه التجربة سيجعل تحقيق المطلب بتعديل المادتين 34 و35 من الدستور أمرا ممكنا في المدى القريب. لم نعلم بعد بماذا يفكر النواب، وهل لدى الكتل النيابية أسماء جاهزة ترشحها لرئاسة الحكومة. والديوان الملكي اكتفى ببيان مقتضب عن "مشاورات بسمان". لكن هناك حاجة إلى وضع قواعد شفافة لإدارة المشاورات، تبدأ بالاتفاق سلفا على جدول زمني للاجتماعات، لا يزيد عن أربعة أيام مثلا، تخصص للقاءات الموسعة مع الكتل بكامل قوامها، إضافة إلى المستقلين. تتلوها اجتماعات مصغرة مع رؤساء الكتل لحصر الخيارات، واختيار الشخصية التي تحظى بقبول الأغلبية. بوسع الكتل أن تختصر الوقت، وذلك ببناء تحالف أغلبية يتبنى مرشحا واحدا يطرحه مباشرة على طاولة المشاورات، تاركا للكتل الأخرى حرية دعمه أو الجلوس في مقاعد المعارضة النيابية. وفي كل مراحل العملية التشاورية، ينبغي الالتزام بقاعدتين ذهبيتين: الأولى: التزام مؤسسات الدولة وأجهزتها بعدم ممارسة أي ضغوط على الكتل النيابية، أو التأثير بأي شكل من الأشكال على إرادة النواب الحرة في ترشيحاتهم، لأن ذلك إن حصل سيفسد التجربة برمتها. الثانية: المحافظة على أقصى درجات الشفافية الممكنة، ووضع الرأي العام بصورة المشاورات أولا بأول. وقد يتطلب ذلك من رئيس الديوان أو من ينوب عنه عقد مؤتمر صحفي يوميا. أما الكتل النيابية، فهي ملزمة بحكم صفتها التمثيلية بإطلاع قواعدها الشعبية على أفكارها بشأن مرشحيها للرئاسة، وخياراتها للتشكيلة الحكومية، والشروط والمطالب التي على أساسها قررت دعم هذا المرشح أو ذاك. وإذا ما اختارت كتل الوقوف في صف المعارضة، فهي ملزمة أيضا بشرح موقفها. نحن بصدد تجربة جديدة لا يملك أي طرف خبرة استثنائية فيها. ولا سبيل أمام المحسوبين على النخبة السياسية سوى التعلم من الممارسة التي تحتمل في العادة الخطأ والصواب. تعليقات القراء
أضف تعليق
اضافة تعليق جديد
|
أخر الأخبار
اقرأ أيضا
استفتاءات
تابعونا على الفيس بوك
|